عدنان بن عبد الله القطان

3 ربيع الآخر 1444 هـ – 28 أكتوبر 2022 م

————————————————————————————

 

الحمد لله الذي تفرّد بالبقاء والكمال، وقسم بين عباده الأرزاق والآجال، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وهداهم لما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا ويوم التلاق، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الكريم الخلاق، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق على الإطلاق، المبعوث إلى أهل الآفاق، المنعوت بتهذيب الأخلاق، ومكارم الأعراق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التلاق…

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون وعلى كسبكم محاسبون، وأن المصير إلى جنة أو نار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

معاشرَ المؤمنين: إنَّ المسلمين اليومَ تتقاذفُ بهم أمواجُ الفتَن، وتحيطُ بهم أسبابُ التفرُّق والشرور والإحن، يسعى الأعداءُ لتفريق صفوفهم، ويبذُلون كلَّ جهدٍ لبذرِ أسبابِ العداء بين أبنائهم، يفرَحون بخرقِ صفِّ المسلمين وتفريق كلِمتهم، ويسعَدون ببثِّ روح التباغُض في مجتمعاتهم، وفُشوِّ الكراهيَّة بين شبابهم. وحينئذٍ فما أحوجَ المسلمين اليومَ للالتزام بالمنهجِ الذي تصفو به قلوبُهم، وتسلَم معه صدورُهم، وتُنشَر من خلاله مبادئُ المحبَّة والوئام، والأمن والسلام في مجتمعاتهم وأوطانهم… إنَّ المسلمين اليومَ بحاجةٍ ماسة، لمراجعةِ منهَج المدرسةِ الأخلاقيّة العظمى، وفي ضرورةٍ ملحة لتحقيق مدرسةِ قواعدِ الفضائل العُليا، تلك المدرسةُ التي تضمَّنت المبادئَ الكبرى للمحبَّة والوئام، والأصولَ العُظمى للخِصال الكِرام، إنه منهجُ مدرسةِ الإسلام التي حرصت على تأصيل أسبابِ المحبَّة بين المسلمين، وبذرِ قواعِد الأخوَّة والألفة والتعاون بين المؤمنين، يقول ربّنا جلّ وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ويقول نبيّنا صلى الله عليه وسلم : (وكونوا عبادَ الله إخواناً). ذلكم أنّ تلك المبادئَ الكريمة، وهذه الفضائلَ العظيمة، تقودُ الأمّةَ إلى كلّ خير، وتحقِّق لهم كلَّ منفَعة.

 مبادئ هي أساسُ استقامة مجتمعاتهم وأوطانهم، وسعادةِ حياتهم، وتحقيق مصالحهم، ولهذا يقول الحكماء: (وكلُّ قومٍ إذا تحابّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عملوا عَمَّرُوا، وإذا عَمَّرُوا عُمِّرُوا وبُورك لهم). ولهذا ففي أفضلِ عصرٍ وأعظم دولة صلاحاً وازدهاراً يقول المولى جلّ وعلا في شأنِ الأنصار مع المهاجرين: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) …  ومن هذا المنطلقِ يا عباد الله وجَّه نبيُّنا وسيِّدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم،  وجَّه رسالتَه الخالدةَ لهذه الأمّة  بوجوبِ البُعد عن التحاسُد والتباغض في مجتمعات المسلمين، حيث يقول: (لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا ، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض ، وكُونوا عبادَ الله إخوانَاً ، المسلمُ أخو المسْلم لا يظلمْهُ ولا يحقِرْه ولا يَخْذُله، التقوى هَا هُنا، وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثاً، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَام دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ)… أيها المؤمنون: وفي ظلِّ هذا المنهجِ العظيم يجب أن يعيشَ المسلم في مجتمعه ووطنه، يزاولُ حياتَه، ويقومُ بنشاطاته، وهو مرتبطٌ بإخوانه المؤمنين برابطةٍ هي أعظمُ الروابط، وآصِرة هي أوثقُ الأواصِر، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً) وشبَّك بين أصابعه، عليه الصلاة والسلام

أيها الإخوة والأخوات في الله: في ظلِّ منهج سيِّد البشرية وخير البرية، يجبُ أن يعيشَ الفردُ المسلم في كل مكان متّصِفًاً بصفاتٍ فُضلى متحلِّياً بمعانٍ كبرى، قاعدتُها وأصلها الجامع أن يعيشَ في مجتمعه المسلم، محِبّاً لإخوانه ما يحبّ لنفسه، كارهاً لهم ما يكرَه لنفسِه، يقول  صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه) ، ويقول  موجِّهاً أمَّته بهذه الوثيقة الخالدة العظيمة: (وإنَّ أمَّتكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوَّلها، وسيصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقِّق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشِف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُدْخَلَ الجنةَ ويُزَحزَح عن النار فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يؤتى إليه)… عباد الله: قاعدةٌ نبويّة محمّدَّية، تتضمَّن كلَّ المعاني الخيِّرة، والمبادئ الطيبة، والأخلاق الكريمة، قاعدةٌ يوجِّهها أكملُ الناس خُلُقاً وبِرًّاً وفضلاً، تقتضي هذه القاعدةُ الثابتة على مرِّ الأزمان واختلاف الأحوال، تقتضي وتتضمَّن لزومَ الاتِّصاف والالتزام بمعاني الألفة والإخاءِ والرَّأفة والرحمة والرِّفقِ والعطف وحُسن العشرة والمعاملة والإيثار والمواساة وتفريج الكرُبات وقضاء الحاجات، وفي هذه المعاني السَّامية والفضائل العالية، يقول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم،  واصفاً ما ينبغي أن يكونَ عليه المجتمعُ المسلم، فيقول: (مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائُر الجسَد بالسَّهر والحمَّى) ويقول عليه الصلاة والسلام وهو الرحيمُ المشفق: (ومن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربة فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن سَتَر مسلماً ستَره الله في الدّنيا والآخرة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعاً  و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهراً ، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ،  و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ)..

عباد الله: قاعدةٌ نبويَّة أخرى تقضي بتحريمِ الإضرار والإيذاء للمؤمنين، يقول ربُّنا جل وعلا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْماً مُبِيناً) ويقول صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه) يقول أهل العلم في شرح هذا الحديث : (فيقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام،  فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب ؛ إذ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة ، وأذى المسلم حرام باللسان واليد.   ويقول عليه الصلاة والسلام مؤصِّلاً قواعدَ المجتمع المسلم: (لا ضرَرَ ولا ضِرار)

إن للأذية  يا عباد الله صوراً لا تكاد تتناهى، وعلى المسلم أن يتجنبها جميعاً؛ خاصة ما ورد النص عليه تنبيهاً لخطره، وتعظيماً لأثره، كالنهي عن سفك الدماء، وتعذيب الناس والسب والشتم واللعن والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض، وأذية الجيران والخدم والضعفاء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما  قال : (صعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع  فقال : يامعشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم ؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه) ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وما أعظم حرمتك،  والمؤمن أعظم حرمةً منك) إن أذية المؤمن ظلم عظيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن من الأذى ما لا تكفِّره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلوم، وهيهات، هيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف، وتعز الحسنات، يقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (أتدرونَ مَنْ المفلِس ؟ قالوا المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ لهُ ولا متاع ، فقال : إنَّ المفلسَ مِنْ أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتمَ هذا وقذفَ هذا وأكلَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا وضرب هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ وهذا من حسناته، فإن فنِيَتْ حسناتُهُ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليه أَخذَ منْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه ثُمَّ طُرِحَ في النار)

أيها الإخوة والأخوات في الله: هذه ثوابتُنا الإسلاميّة، وتلك أصولُ بناء المجتمعاتِ المحمديَّة، أصولٌ تحارِب العبثَ بالأمن، وتصادِم الإضرارَ بالبلاد والعباد، وتمنَع الإفسادَ والفسادَ. ألاَ فليكُن كلُّ مسلمٍ ومواطن ومقيم ملتزِمًاً بهذه المعاني السامية، متَّصِفًاً بهذه التوجيهاتِ الكريمة، ليحيا في مجتمعه ووطنه محِبًّاً محبوباً، رحيمًاً مرحومًاً، عندئذ يحيا حياةً طيّبة ويعيش عيشة مرضيّة، فربُّنا جلّ وعلا يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ) ، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ). (وسَأَلَ رجل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)

فاتقوا الله رحمكم الله واسلكوا مسالكَ الصّفوةِ من عباد الله في سلوكِ الأخلاق الصالحة الطيبة والتجافي والبعد عن الأخلاق السيئة الرديئة تكونوا من المفلحين الفائزين في جنّات النعيم.

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إنك على كل شيء قدير.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: إن الحديث عن الأخلاق يكون ناقصاً حتى يكمّل ببعض المواقف الزكية من أخلاق رجل عظيم حوى أعظم سيرة، وأزكى سريرة، إنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

فهو أفضل خلق الله، وهو الذي أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه، وأخلاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر من أن تُحصى، وأعظم من أن تُوصف، وكيف لا تكون كذلك وهو الذي كان يمضي لياليهِ قائماً يصلِّي ويستغفر ربَّه ويشكره تأدُّباً مع ربِّه، مع أنَّه أكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم درجةً... لقد نقل النبي صلى الله عليه وسلم بأخلاقه البشرية خطوات فسيحة إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، اقرأ يا عبد الله سير العظماء، وتصفح تاريخ النبلاء، لن تجد أعظم من خلق وسيرة أفضل الأنبياء. اقرأ سيرته مع جميع الناس: مع الأهل والزوجة والأولاد والأطفال والأرحام مع الأصحاب مع الخدم، مع الفقراء والأغنياء، في البيع والشراء، في الطريق والسوق، تجد أعظم خلق وأزكى سلوك، كان صلوات ربي وسلامه عليه أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس كان دائم البشر، سهل الطبع، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب ولا فحّاش، ولا عتّاب ولا مدّاح، يشتري حاجته ويحملها بنفسه، يخصف نعله، ويرقع ثوبه يأكل مع الخدم ويجالس المساكين يمشي مع الأرملة واليتيم، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا والناس نيامٌ؛ تدخلوا الجنة بسلامٍ.. ثم كم كان يحمل في صدره من الهموم والغموم، هموم الأمة، هموم هدايتها، هموم الرسالة، هموم القيادة، هموم الفقراء، وهو أبٌ متزوجٌ وقائدٌ وحاكمٌ، ومع ذلك كله يقول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كان يمازح أصحابه يخالطهم يداعب صبيانهم، يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر.. كم كان في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الإيناس والبر، وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من السخاوة والكرم والندى.. كان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع

 ما نصيبنا عباد الله من هذه الأخلاق النبوية؟ أين موقعنا من هذه الخلال الحميدة والأفعال الرشيدة؟ لقد أصبحت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم تراتيل بها يُتغنى، وأوراداً صاحبها يتمنى. إنه لأمر يدعو إلى الأسى والحزن ما وصل إليه حال البعض منا في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته والله المستعان..

 إنه لا صلاح لحالنا وحال أمتنا إلاّ أن ننهل من معين أخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب، ونقتبس من ثباتها الذي لا يتذبذب، ونصعد إلى مُثُلها لمن أراد منّا أن يتهذّب ويتأدب، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)

فيا أمة الإسلام في كل مكان، إن العالم بأسره يرمقكم عن بعد، ويخالطكم عن قرب، فإذا رأوا الأيدي المتوضئة، تقف عن الشبهات والدنايا، ورأوا سناء قلوبكم، ورقة طباعكم، ونزاهة نياتكم، والصدق في معاملاتكم، دخلوا في دين الله أفواجاً، وإذا رأوا عكس ذلك كنّا سبباً في شرود وإعراض الناس عن هذا الدين بسبب سوء أخلاقنا وجفاء تعاملنا.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم ارزقنا حسن الخُلق وطهارة النفس، وحلاوة اللسان وسعة الصدر و سلامة القلب وأعنا علي تربية أولادنا كما تحب وترضي.

اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء، والأدواء. اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ صِحَّةً فِي إِيمَانٍ، وَإِيمَاناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، وَنَجَاحاً يَتْبَعُهُ فَلاَحاً، وَرَحْمةً وَعَافِيةً وَمَغْفِرةً مِنْكَ وَرِضْواناً، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا إِيمَاناً صَادِقاً، وَيَقِيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    

           خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين